كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة كما في الصحيحين.
وما أحوجنا إلى أن نتلمس هديه وأخلاقه في كل وقت وفي هذا الشهر على وجه الخصوص، ومن أعظم معالم سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم الجود والكرم والسخاء، فقد كان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال والنفس لله تعالى، يقول أنس رضي الله عنه: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين.
فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة. رواه مسلم، وكان الرجل يسلم ما يريد إلا الدنيا فما يمسي حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها، قال صفوان بن أمية:
لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لمن أبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ، أعطاه يوم حنين مائة النعم ثم مائة ثم مائة ونعماً، فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي.
ولما رجع عليه الصلاة من غزوة حنين تزاحم عليه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى شجرة فخطفت رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا) أخرجاه في الصحيحين.
حتى إنه ربما سأله رجل ثوبه الذي عليه، فيدخل بيته ويخرج وقد خلع الثوب، فيعطيه السائل , وربما اشترى الشيء ودفع ثمنه ثم رده على بائعه.
هكذا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهو غيض من فيض من فنون جوده عليه الصلاة والسلام التي لا تنحصر.
والصدقة في هذا الشهر شأنها أعظم وآكد ولها مزية على غيرها، وذلك لشرف الزمان ومضاعفة أجر العامل فيه، ولأن فيها إعانة للصائمين المحتاجين على طاعاتهم، ولذلك استحق المعين لهم مثل أجرهم فمن فطر صائماً كان له مثل أجره.
ولأن الله عز وجل يجود على عباده في هذا الشهر بالرحمة والمغفرة، فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل، والصوم لابد أن يقع فيه خلل أو نقص، والصدقة تجبر النقص و الخلل، ولهذا أوجب الله في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو و الرفث.
ولأن هناك علاقة خاصة بين الصيام والصدقة فالجمع بينهما من موجبات الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام) رواه أحمد.
المصدر: بوابة النسيج